تقرير مفصل عن الندوة الوطنية في موضوع “منظومة التربية والتكوين: الأسئلة الراهنة والبدائل الممكنة”.

0

إعداد: د. محمد الزوهري

 

نظم الاتحاد العام الوطني لدكاترة الوظيفة العمومية والمؤسسات العامة، بشراكة مع التضامن الجامعي المغربي، مساء يوم السبت 31 مارس 2018، ندوة وطنية في موضوع “منظومة التربية والتكوين: الأسئلة الراهنة والبدائل الممكنة”.

    وشارك في هذه الندوة كل من د. محمد الدرويش، الكاتب الوطني السابق للنقابة المستقلة لتعليم العالي، ود. إحسان المسكيني، رئيس الاتحاد العام الوطني لدكاترة المغرب، ود. مصطفى شميعة، مفتش وباحث أكاديمي، ود. محمد الزوهري، باحث في مجال الإعلام والاتصال، ود. عبد الرحمان النويتي، أديب وإطار في مجال التربية والتكوين.

    وخلال هذا اللقاء العلمي والتربوي، أكد الدكتور الدرويش أن الوقت حان لرد الاعتبار للجامعة المغربية العمومية لفضلها على أجيال ذهبية من الأطر الوطنية، ومساهمتها في دعم مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، مؤكدا أن واقع التعليم العالي في المغرب في حاجة إلى إجراءات واضحة وناجعة لتخليصه من المشاكل البنيوية التي يعاني منها، بسبب اختلالات متوارثة في تدبير الموارد البشرية، وتقادم المناهج، وسوء التوزيع الجغرافي للمؤسسات الجامعية على الصعيد الوطني.

   وأوضح الكاتب الوطني السابق لنقابة التعليم العالي، أن مجموع الطلبة بلغ برسم الموسم الجامعي الحالي ميلون طالب وطالبة، وهو رقم قياسي يتحقق لأول مرة، مما كان على وزارة التعليم العالي والحكومة أن تحتفي بهذا الحدث البارز، لدلالاته العلمية والثقافية في مسار تطور بلادنا منذ الاستقلال، مشيرا إلى عدد الأساتذة الجامعيين يناهز حاليا 13760 أستاذ وأستاذة، موزعين على 167 مؤسسة للتعليم العالي تابعة ل 12 جامعة، وحوالي 10 آلاف موظف وموظفة.

   وسجل المسؤول النقابي السابق أن ثمة خصاصا واضحا في الأساتذة الباحثين بالمؤسسات الجامعية، وأن عدد الأساتذة المُعلن عنه رسميا، والذي حُدد في أكثر من 15 ألف إطار، غير دقيق، نتيجة احتساب كل الأساتذة الجامعين الحاملين لرقم التأجير، بالرغم من أن عددا مهما منهم لا علاقة لهم بالبحث العلمي ويشتغلون في قطاعات بعيدة عن الجامعة، مؤكدا أن هذا الخصاص سيتفاقم أكثر في السنوات القليلة القادمة، مما قد يتسبب في أزمة حقيقية في التأطير والتكوين بالجامعة، الأمر الذي يستدعي معالجة هذا النزيف المتوقع بكثير من الحزم والجدية.

     وفي ما يتعلق بملف دكاترة الوظيفة العمومية والمؤسسات العامة، أكد الدكتور محمد الدرويش أن حل أزمة الخصاص في أطر التكوين والتدريس بالجامعة المغربية يكمن في إيلاء العناية لهذه الفئة، باعتبارها أكثر أهلية وكفاءة لإدماجها بالتعليم العالي، مذكرا بأن ملف دكاترة التعليم المدرسي كان قاب قوسين أو أدنى سنة 2013 من الحل على عهد حكومة عباس الفاسي، بعدما كان له الفضل شخصيا – بصفته الكاتب الوطني آنذاك لنقابة التعليم العالي – في إقناع محمد الوفا وزير التربية الوطنية السابق، بإلحاق 1535 أستاذ وأستاذة حاملين لشهادة الدكتورة في التعليم المدرسي، بالتعليم العالي، غير أن مبادرته لم يُكتب لها النجاح بسبب تراجع لحسن الداودي وزير التعليم العالي السابق، عن هذه المبادرة لأسباب غير مفهومة. 

وأكد الدكتور الدرويش أن دكاترة التعليم المدرسي يستحقون الإنصاف، ومؤهلون قبل غيرهم للتأطير والتدريس بالجامعة، بفعل ما راكموه من تجارب في التعليم الثانوي، وبالنظر لمؤهلاتهم العلمية التي أبانوا عنها من خلال ما ينتجونه من دراسات وأعمال علمية قيمة، وإشرافهم على مراكز للبحث وتنظيم ملتقيات ثقافية وفكرية وطنية ودولية…

    غير أن المسؤول ذاته استدرك بالقول أن إلحاق هؤلاء الدكاترة بالتعليم العالي، ينبغي أن يكون قانونيا عبر مباريات شفافة تشرف عليها لجن مركزية، كما ينبغي احترام عدد المباريات التحويلية المعلن عنها من طرف الوزارة لفائدة الدكاترة الموظفين، بدل إلغاء الكثير منها بسبب تلكؤ الإجراءات الإدارية بعدد من الجامعات كل سنة، مما يؤدي إلى إلغاء الكثير من المناصب المعلن عنهم، ويضيع الفرصة على المئات من الدكاترة، متسائلا في هذا السياق: هل تم تحويل 3000 منصب من الوظيفة العمومية إلى التعليم العالي خلال السنوات الخمس الأخيرة، بمعدل 600 منصب كل سنة، بحسب ما أعلنت عنه الوزارة المعنية؟

    هذا، وكانت أشغال الندوة قد استهلت بتدخلات أعضاء بالاتحاد العام الوطني لدكاترة الوظيفة العمومية والمؤسسات العامة، منهم د. محمد الزوهري، الباحث في المجال الإعلامي، الذي شدد في مداخلته على أنه من العار أن يستمر ملف دكاترة الوظيفة العمومية على حاله منذ سنوات، بسبب تجاهل الحكومة لوضعيتهم، وتعاطيها السلبي مع مطالبهم، بالرغم من المؤهلات العلمية التي يتوفرون عليها، ما يستدعي إرادة حقيقية لتسوية وضعيتهم في أقرب وقت، وبكيفية لا تحتاج إلى تعقيدات إدارية أو أعباء مالية، من خلال إلحاقهم بالجامعة ووضع إطار قانوني لوضعيتهم… أما د. مصطفى شميعة فقد أوضح في مداخلته أن دكاترة التعليم المدرسي يمتلكون قدرات علمية هائلة راكموها طوال سنوات عديدة من الممارسة المهنية في مجال التربية والتكوين، مما يجعلهم مؤهلين للالتحاق بالجامعة، مشيرا إلى هؤلاء الدكاترة هرموا من أجل لحظة الإفراج عن ملفهم ورد الاعتبار لوضعيتهم، لكونهم حاملين لأرقى شهادة جامعية، وأن أي تبخيس لمستواهم العلمي والفكري، أو تجاهل لمطالبهم المشروعة، لن يزيد سوى في إقبار مؤهلاتهم وتعميق معاناتهم.

وفي نفس السياق، أكد إحسان المسكيني، رئيس الاتحاد العام الوطني لدكاترة الوظيفية العمومية والمؤسسات العامة، في مداخلته أن المغرب في حاجة لكل أطره الكُفأة، ومن ضمنهم دكاترة الوظيفة العمومية الذين لا يعقل أن يتم إهدار مؤهلاتهم في خدمات ومهام لا تتناسب مع قيمة الشهادة الحاصلين عليها، مبرزا أن  إدماج الدكاترة الوظيفة العمومية بالجامعة عن طريق مباريات تحويلية لا تستجيب لتطلعات هذه الفئة، حيث يستمر تكريس غياب الشفافية ومبدأ تكافؤ الفرص، وهذا الوضع غير الطبيعي يترتب عنه ضرب خطير لنظام التربية والتكوين ببلادنا، من خلال الاستهانة بأعلى دبلوم يقوم هذا النظام على تتويج كفاءاته.

وقدم د. المسكيني خلال هذا اللقاء معطيات تقنية حول وضعية الدكاترة، ومنها إحصائيات حول توزيع الدكاترة على مستوى القطاعات الوزارية، بهمينة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، يليها قطاع وزارة الداخلية، ثم وزارة الصحة، ووزارة الاقتصاد والمالية، ووزارة العدل، ووزارة الأوقاف، ووزارة إعداد التراب الوطني… وفيما يخص توزيع الدكاترة على مستوى الجنس، يسجل هيمنة الدكاترة الذكور بنسبة تفوق 68 في المائة، على حساب الدكتورات، أما في شأن المهن التي يزاولوها دكاترة الوظيفة العمومية، يأتي أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي في المقدمة، يليهم المتصرفون، ثم المساعدون الطبيون، فالمنتدبون القضائيون، ثم المهندسون، يليهم القياد، ثم الممونون… وعلى مستوى الأجور يسجل هيمنة الموظفين المصنفين خارج السلم الذي يتقاضون أقل من 13 ألف درهم، بنسبة تفوق 52 في المائة، يليهم المصنفون في السلم 11 في الرتبة أقل من 6 بأجرة محدد في 7500 درهم، ثم المصنفون في السلم 11 أكثر من الرتبة 6 المحددة أجرتهم في أقل من 9500 درهم… وفيما يتعلق بتوزيع تخصصات الدكاترة الموظفين، تأتي اللغة العربية في المقدمة تليها الدراسات الإسلامية، ثم البيولوجيا، والقانون، والكمياء،والفيزياء والتاريخ والجغرافية، والجيولوجيا، والرياضيات، والاقتصاد، والإعلاميات، والغة الفرنسية، والبيئة، واللغة الإنجليزية، والفلسفة، واللغة الإسبانية، والهندسة المدنية الميكانيكية، والثقافة الأمازيغية…

من جهته، أكد د. عبد الرحمان النويتي، الإطار التربوي والإداري بوزارة التربية الوطنية، أن هذر الطاقات الجامعية الوطنية، بإلحاقها بهياكل الإدارات العمومية، يدل على غياب أي إستراتيجية وطنية تقوم على استغلال أمثل للطاقات البشرية، كما أن افتقار الإدارة العمومية إلى بنيات ومؤسسات للبحث والتطوير، وغياب إطار قانوني ينظم ويحدد دور الدكتور فيها، ما حال  دون  الاستفادة من  تكوينه وإمكاناته. وأشار د. النويتي أنه رغم ما تعرفه الجامعة من خصاص في أعداد الأساتذة لتطبيق الإصلاح، ورغم كون البحث العلمي الذي أريد النهوض به لم يتحقق نتائج ملموسة، وعوض تشغيل الدكاترة في الجامعة باعتبارهم ثروة علمية قادرة على الإضافة النوعية في مجالي التدريس والبحث العلمي… رغم كل ذلك، تم توزيعهم على الإدارات العمومية بنفس الصيغة التي تم التشغيل بها حملة الشواهد الجامعية الأخرى، دون الأخذ بعين الاعتبار التخصصات المتوفرة وقيمة الدكتوراه كأرقى شهادة علمية، حيث تمت مساواة كل الشواهد العليا بالدكتوراه بشكل ممنهج يرمي إلى التقليل من أهمية هذه الشهادة الجامعية، ما يشكل سابقة في منظومة تدبير الموارد البشرية كما هو متعارف عليها دوليا.

أضف تعليقك