بوشعيب حمراوي
بات موسم (اللامة) بالجماعة الترابية سيدي أحمد المجذوب التابعة لعمالة المحمدية، حدثا سنويا استثنائيا مثيرا للجدل، بالنظر إلى ما يجري ويدور داخل خيامه التقليدية والعصرية من حملات طبية عصرية وأنشطة وطقوس وخرافات وعلاجات بالشعوذة.أدمنت عليها فئات كثيرة من النساء. تضاف إليها محاولات الركوب السياسي والحزبي من طرف بعض الميسورين، باستغلال فقر الأسر القروية وجهل بعض أفرادها، والخصاص الكبير في القطاع الصحي والتعليمي.. والزج بهم في متاهات وتفاهات لا علاقة لها بأوليات المنطقة المنكوبة.. سهرات وولائم، أبعدت أطفالهم عن الدراسة والتحصيل.. واستعراض العضلات واستغلال لعتاد وناقلات جماعات ترابية مجاورة.. موسم يحمل في الواجهة شعار (التبوريدا)، يحج إليه كل أبناء وبنات المجذبة، سواء منهم القاطنين بالمنطقة، أو الذين أرغمهم القوت على الانتشار بمختلف مدن المملكة، وحتى خارجها.. هي ثلاثة أيام، تبتدئ بسابع يوم بعد يوم ذكرى مولد الرسول (ص) من كل سنة. ينتظرها كل قبائل المجذبة بلهفة وشوق، من أجل اللقاء وتجديد المحبة بين الأخوة والأخوات، والتعبئة بشحنات موروثة، استعصى على الأجيال الصاعدة التخلص منها . ليكون موسم (اللامة) أو (السابع) مهرجانا ومركزا استشفائيا، بطعم الأصالة والمعاصرة، جمع بين التقاليد العريقة التي ترسخت لدى أسر المجدبة، حيث العلاج والوقاية من الأمراض العضوية والنفسية والحسد والعقم و(التابعة) وطلب (البركة) وفق طقوس وعادات موروثة. وبين ما أرغموا على القبول به والانصياع لشروطه، من متطلبات العصر، وخصوصا عمليات الختان العصرية المعروفة ب (الطهارة بجزم الميم). والتي أوكلت بطاقم طبي تحت إشراف المركز الهلال الأحمر المغربي، بعد أن كانت قبل سنوات، تحت إشراف ما يعرف ب(الحجامة)، وهم أشخاص يمتهنون بالوراثة والبركة عدة مهن، يجمعون بين حلاقة الرؤوس وختان الأطفال وعلاج عدة أمراض بوسائل تقليدية، ويصنفون ضمن فئة المشعوذين.
خيمة قديمة توازي مستشفى متعدد التخصصات
إن أبرز ما يشد ناظر كل زائر. تلك الخيمة بنية اللون، والتي يظهر من أعمدتها وثوبها أنها تعود إلى زمن غابر. تجلس داخلها سيدة (شريفة). تستقبل النساء.. من أجل علاج أمراضهم العضوية والنفسية وطمأنتهم على مستقبل أطفالهم في الختان والعمل والزواج، وشفائهم من السحر والحسد و(التابعة). طبيبة الخيمة التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، تستخدم حبات قمح في علاجها. وتمنح كل امرأة سبعة حبات بعد أن تغمسها في الوحل. وصفة كافية لتداوي الإنسان والحيوان وتوفر (الغلة).. بعدها تعمد النساء في تصرف غريب إلى التخلص من لباس لها، يكون في الغالب لباس داخليا. تكون المرأة قد حملته معها من المنزل. لتلقي به فوق سطح الخيمة.. وتنصرف وهي مقتنعة بأنها تخلصت من كل الأمراض الربانية والبشرية. فوق الخيمة قد تجد (حمالة للثديين، حزام ، بيكيني، سروال داخلي، قميص نوم، فولار..). تحصل عليها (الشريفة) بعد انتهاء الموسم. ولا أحد يعلم ما تفعله بها…
مغاربة أقوياء زهدوا في اللباس والتغذية
إنهم المجذبة الذين عرفوا عبر الأزمنة بقوة وصلابة ولياقة أبدانهم. واتسموا بنبل أخلاقهم… سكان مدينة المحمدية (فضالة سابقا) الأصليين، الذي عرفوا ببساطتهم وتواضع معيشتهم… زهدوا في اللباس والتغذية، إلى درجة أن بعضهم وبغض النظر عن جنسهم أو عمرهم، كانوا يقتاتون من فتاة الطعام، وكانوا يقطعون المسافات الطويلة حفاة وشبه عراة، محملين بالأثقال دون تعب أو كلل. ضلوا متمسكين طقوس (الزيارة والتبرك) من بركات سيدي موسى المجذوب، متشبثين بتقاليدهم وعاداتهم رغم الغزو الحضاري. رفضوا التمدن واعتبروه تنصلا من (جلدهم) وانحرافا عن مسار الآباء والأجداد. وحذروا أبنائهم وأحفادهم من التجديد الذي قد يصيبهم ب(لعنة الأجداد)، وقد يعرض حياتهم وحياة أسرهم للآفات والابتلاءات الفاسدة… ولعل موسم الختان التي تنتظره الأسر كل سنة، خير دليل على حرسهم الشديد على توريث تلك الطقوس وضمان استمراريتها. خصوصا أن موسم الختان المعرف باسم (السابع) ينظم بجوار ضريح الولي الصالح سيدي موسى المجذوب مباشرة بعد ذكرى المولد النبوي من كل سنة. ويختتم بأكبر عملية ختان تجرى في المغرب. يستفيد منها مئات الأطفال دون اعتبار لمستواهم الاجتماعي.
الختان أولى طقوس المجذبة
هي الحياة كما أرادها (المجذوبي) سواء كان أميا أو مثقفا… كان فقيرا أو غنيا…حياة بطعم (ملح) الأجداد و(حكمهم) التي لم تفتتها التكنولوجيا والتفتح العلمي. لا يمكن أن يعيشها إلا إذا واكبت مخزونه التراثي. حياة يستهلها الطفل الرضيع بعرس ليوم ختانه. حيث يكون الطفل العريس وتكون أمه العروس. وتكون المنطقة بكل ساكنتها مشاركة في حفل زفافه. وشاهدة على امتثاله لأول طقس من طقوس المجذبة الأحرار. الختان أو (الطهارة بجزم الطاء) عملية يصر المجذبة على أن تكون يوم السابع بعد ذكرى عيد المولد النبوي. وأن تكون في موسم تحضره كل القبيلة، ووفق طقوس لا يمكن تجاوزها. والمجذوبي حيث ما كان يقطن داخل أو خارج أرض الوطن عليه أن يحضر الموسم بكامل أسرته، وأن يقيم كل الطقوس الواجبة، من أجل ختان ابنه. عرس الختان هو العرس الذي يجعل من الأم المجذوبية (العروس) الوحيدة لطفلها، حيث لا امرأة أخرى تشاركها في حبه. وحيث الكل ينادي لالة المجذوبية ويهنئها طيلة اليوم. وحيث تتلقى الهدايا والزغاريد والابتسامات من كل ناحية وصوب.
تفاصيل طقوس الختان
مباشرة بعد يوم ذكرى عيد المولد النبوي. تبدأ الاستعدادات لدى الأسر التي تريد ختان أطفالها. علما أن معظم الأطفال المستهدفين بعمليات الختان، سبق وتم تسجيلهم خلال الموسم الماضي،من طرف سيدة (شريفة). حيث اعتادت الأمهات أن تصطحبن أطفالهن إلى (الشريفة) من أجل أن تخضعهم لطقوس معينة. وتعدهم للختان الذي يتم في الموسم الموالي.
عبلة أم مجذوبية لطفل في الثالثة من عمره، نحيلة الوجه والجسد، وبملابس متواضعة وحافية الرجلين. تجري هنا وهناك بمحيط منزلها، وكأنها تسابق الزمن. وخلفها يركض ابنها (الحسين) وينادي بأعلى صوته طالبا قطعة خبز، دون أن تنتبه إليه. انحنت لحمل حزمة من الحطب، وقبل وقوفها كانت قد ردت على تحيتي، و(ملحتها) بابتسامة المرأة الخجولة والمضيافة. تمتمت عبلة قبل أن تستجمع كل الكلمات اللازمة للرد على استفساراتي، حول موسم الختان. وقالت بلهجتها المبللة بالمزاح والدعابة: ها العفريت ديال الحسين… أجي لهنا…غاديا نطهروا هذا العام راني سجلتو…). وتابعت: أنت ما شي من هنا…. السابع عندنا كيعمر من قديم والطهارة فيه… فيها البركة …. وذاكشي راه بالتجريب..ز والله أه الشريف…). وكشفت عن أدق تفاصيل ما يتم من طقوس الختان. موضحة أن كل أقاربها يساعدونها من أجل الإعداد ل(عرس ولدي)، و(هدية ولدي). وأن الأسر الميسورة تقيم عرسا كبيرا بعد عودة الطفل من (خيمة) الختان. فيما تكتفي باقي الأسر ب(الهدية) التي تصاحب الطفل أثناء ذهابه وعودته من موسم الختان. وأن (الهدية بجزم الهاء)، تكون في مقدمتها أم الطفل وجداته. تتزين الأم بأحسن ما لديها من ألبسة (قفاطن، تكاشط…). اللون الأبيض هو المفضل، كما أن على الأم أن تكون (مسولفة)، حيث تزين شعرها على طريقة (الظفايرات)، وتتزين بالحناء، كما تزين ولدها بالحناء وتلبسه لباسا تقليديا (جلابة والبلغة والتشامير…). وتتكون (الهدية) من مجموعة من النساء اللواتي يغنين ويرقصن مستعملين آلات موسيقية تقليدية (التعارج، البنادر….). وأضافت راضية أن القافلة (الهدية) تتجه نحو (الخيمة) وهي عبارة عن خيمة قديمة متهالكة، يتم توريثها في صفوف شرفاء القبيلة. حيث يقمن ب(الزيارة) و(التبرك) حاملين الطفل، ومن النساء من يرمي بمنديل أو ثوب لهن فوق الخيمة كهدية مقابل نيل بركة (الشرفاء)، قبل أن يعرجن به إلى الخيمة التي يوجد بداخلها الطاقم الطبي المكلف بالعمليات الجراحية لختان الطفل. علما أنه في السابق كان الحلاق (الحجام) هو الذي يقوم بالعملية الجراحية دون تحاليل ولا ضمانات صحية. وبعد انتهاء العملية، يمنح الطفل لأمه التي تستقبله رفق باقي (الهدية) بالزغاريد والصلاة على النبي (ص)، حاملين علما أبيضا في قمته باقة من النعناع. وتبدأ الهدية مسيرتها الاحتفالية في اتجاه المنزل، وتبدأ معه قريبات الطفل وباقي أفراد الأسرة في تقديم الهدايا للطفل، موضحة أن الطفل يحظى ببعض الأوراق النقدية أو الهدايا البسيطة التي تعلق فوق صدره أو في عنقه. وتدل (الهدية) إلى داخل المنزل أو الخيمة المعدة للعرس. حيث تستأنف احتفالها لبضع دقائق. ثم يتفرق الكل. في انتظار تنظيم العرس الكبير لمن استطاع إليه سبيلا.
الختان بين الطقوس والحماية الصحية
قالت الدكتور بوكوس رئيس مركز الهلال الأحمر المغربي بالمحمدية، والمشرف على عملية الختان الجماعية العصرية ،إنه تم ختان 166 طفل خلال هذا الموسم، وأنه كل العمليات تمت بعد إجراء مجموعة من تحاليل الدم للأطفال، وإخضاعهم لعمليات جراحية عصرية. مع ضمان متابعة أوضاعهم الصحية. وأضاف أنهم تمكنوا بصعوبة من التخلص مجموعة (الحجامة) الذين كانوا يقومون بعلميات ختان تقليدية تهدد صحة الأطفال. كما تم تحسيس الأسر بأهمية الختان العصري. وأكد مجموعة من أبناء وبنات المجذبة أنهم يرون في عمليات ختان أطفالهم بالموسم (اللامة) وبالطريقة التقليدية ضمان لصحة أطفالهم. موضحين أنهم يرفضون إجراء عمليات الختان خارج الموسم. وأن في ذلك ما يشبه (النعلة) التي قد تصيب أطفالهم. وخصوصا احتمال إصابتهم بالعقم في كبرهم.