في سياق يعج بالأخبار السياسية والاجتماعية والفنية التي تغمر الفضاء الرقمي يوميًا، تبرز تجربة إعادة الإيواء بمدينة زناتة الجديدة كقصة نجاح متميزة، تجسد نموذجًا واعدًا في معالجة إحدى أعقد الإشكاليات الاجتماعية بالمغرب. فقد شهدت جماعة عين حرودة، تحت إشراف شركة “لاساز” والسلطات المحلية، عملية غير مسبوقة للقضاء على أكبر تجمع لدور الصفيح على المستوى الوطني، مستهدفة إعادة توطين أكثر من 8000 أسرة من سكان الأحياء الصفيحية وملاك الأراضي وقاطني الكابانونات.
في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لنقل الأحداث، تتزايد الروايات التي تسعى لجذب الانتباه عبر استغلال المشاهد المؤثرة والخطاب العاطفي، دون التعمق في تحليل الأسباب أو تقديم رؤية موضوعية. فغالبًا ما تتحول هذه القضايا إلى مادة للترويج والتداول، متجاهلة جوهر المشكلة وأبعادها الحقيقية. ومع ذلك، تبقى هناك جهود إعلامية جادة تسعى للجمع بين الشكل والمضمون، مستندة إلى أسس علمية وموضوعية لنقل الرسالة بأمانة ومصداقية.
في هذا السياق، تكتسي عملية إعادة الإيواء بجماعة عين حرودة أهمية خاصة، حيث أثرت بشكل مباشر على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة. ومع تقدم هذا البرنامج الطموح، برزت حالات فردية لجأت إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائها، سواء من استبعادها من قوائم المستفيدين أو من نوعية السكن المقترح، مستخدمة خطاب المظلومية لاستجداء التعاطف. لكن، في كثير من الأحيان، تغفل هذه الشكاوى ذكر الأسس الموضوعية التي استندت إليها اللجان المحلية في قراراتها، والتي تتماشى مع معايير محددة تلزم الجميع بالتقيد بها.
مع اقتراب عملية الإيواء من نهايتها، دخل المشروع مرحلة فاصلة تميزت بصدور أحكام قضائية ضد بعض القاطنين الذين رفضوا المقترحات المقدمة. وفي مواجهة هذا التحدي، تبنت اللجنة المحلية نهجًا مرنًا يعتمد على مقاربة اجتماعية إنسانية، حيث اجتهدت في إيجاد حلول وسطى تراعي كرامة المستفيدين وتلبي احتياجاتهم، حتى في حالات أولئك الذين لا يستوفون شروط الاستفادة. وقد لاقت هذه الجهود ترحيبًا واسعًا من السكان والجمعيات والمنتخبين، الذين أشادوا بالدور الحاسم للسلطات المحلية في إنجاح البرنامج.
وفيما سجلت مدن أخرى صعوبات في تنفيذ برامج مماثلة، أحيانًا بسبب الاحتجاجات أو التدخلات الأمنية، تميزت التجربة في عين حرودة بالحوار المباشر والتوعية المستمرة. فقد حرصت السلطات الإقليمية والمحلية، بالتعاون مع شركة التهيئة “زناتة”، على عقد لقاءات ميدانية مع السكان لتوضيح أهداف المشروع وتعزيز الثقة فيه
تتجاوز أهمية هذا المشروع مجرد توفير السكن، إذ يشكل مدينة زناتة الجديدة نموذجًا حداثيًا يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة. فمن خلال إعادة توطين ما يقارب 9000 أسرة في غضون ثلاث سنوات فقط، نجح المشروع في خلق بيئة مواتية للإدماج الاجتماعي، مع توفير فرص عمل وتأهيل مهني وبنية تحتية متطورة. ويبرز هذا الإنجاز كدليل على قدرة التعاون بين القطاعين العام والخاص، ممثلاً في شركة “لاساز” والسلطات المحلية، على تحقيق تحول نوعي في حياة الآلاف.
في الختام، تظل تجربة إعادة الإيواء بمدينة زناتة الجديدة شاهدًا على إمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة عندما تتضافر الإرادة السياسية والخبرة التقنية مع الحس الإنساني. إنها قصة نجاح تستحق الاحتفاء والدراسة، لما تحمله من دروس وآفاق واعدة لمستقبل المدن المغربية.